أشكر الأستاذ معلم فن علي التهنئة و أشكر الأستاذة الهادية علي الشكر , و أشكر الأستاذة حنان و التي سمحت لنا بالألتقاء علي صفحتها في قضية و رأى ,و أشكر جميع المشاركين في هذا الموضوع الجيد و المهم.

أعود اليكم مرة أخرى في هذا الحوار الساخن, فلقد تطرق الحوار في نهاية مشاركتي السابقة الي الجمال في الفن الأسلامي , و ذلك كمنظور يمكننا أن ننظر خلاله الي الجمال في هذه القضية , فالقضية التي تطرحها الأستاذة حنان حجار واضحة و هي أن الجمال قد خلقه الله عز و جل في الكون عامة وعلي الأرض , قد يكون الجمال موجودا في كائنات أو جمادات قد تؤذى الانسان , فكيف يكون جمالا يسر العين و في نفس الوقت يقشعر له الاحساس خوفا من خطرها . وكيف لنا أن نفصل بينهما و هما متصلان ببعضهما , فالشعور يتعامل مع نفس المصدر بحالتين معا في آن واحد , و هنا يحدث حوارنا قد نتفق مع بعضنا البعض , وقد نختلف , و هذا أمر طبيعي فكما قالت الأستاذة حنان أن خبرات الانسان تختلف بحكم الزمان و المكان و الاكتراث وعدم الاكتراث وقدرة الانسان علي الاستيعاب و هكذا , و لكن لا شك أن الحوار مهم و يفيد القضية بكل أبعادها .

قبل أن نقبل علي هذا الحوار يجب أن أبدأ بكلمات المثل الذى يقول يجب أن نوضع النقط علي الحروف , و في الحقيقة هذا المثل لم يقال هكذا ببساطة , فهذا المثل يعود الي تاريخ العرب و علاقته مع اللغة العربية التي يتحدث بها , فهي اللغة التي نزل بها القرآن الكريم .

فكما تعلمون أن الكتابة العربية في أول الأمر بدأت تكتب بالخط الكوفي القديم , فكانت تكتب و كانت تقرأ حروف الكلمات بدون نقط و بدون تشكيل , و كما يبدو من هذا أن اللغة العربية في هذه المرحلة الكوفية كانت قد تطورت , أى مرت اللغة العربية بمراحل ابتكار قبل هذا الوقت , بعد ذلك أعقبتها فترة زمنية أقتضت ضرورة الاستعانة بكتابة النقط و التشكيل , أعتقد أنه حدث هذا نظرا لنشأة جيل جديد يحتاج الي هذه النقط و التشكيل لكي يستعين بها في نطق الحروف و الكلمات و كتابتها علي هذه الصيغة التي نقرأها الآن , في أول الأمر بدأ توضيح نطق الحروف بصوتياتها و ذلك بأبتكاره رسم نقط توضح الهمزة مثلا أو الضمة أو الفتحة أو الكسرة أو الشدة و السكون و هكذا ,و كانت تلون النقط الي نقط بيضاء و نقط حمراء و نقط زرقاء و ذلك للتفرقة مثلا بين الهمزة و النقطة الواحدة و النقطتين و الثلاث نقط.. الي آخره .

أعتقد أن هذا التطور في الكتابة العربية نجم عن وجود مشاكل في القراءة و التعليم للأجيال التي أتصلت لاحقا بالأجيال التي كانت تقرأ العربية بدون نقط , أو ربما نظرا لصعوبة الأتصال بين هذاين الجيلين الجيل الحديث و الجيل القديم في ذاك الوقت و الذى أنقرض أو رحل دون أن يدون علمه في اللغة في شكل مخطوطات , و من ثم كان عدم الالمام الكامل بصوتيات الحروف حتم وجود هذه الطريقة التنقيطية و الاستعانة بها لقراءة نطق الحروف , و بالتالي لتيسير تعليمها للأجيال التالية من بعد..

بعد ذلك بدأت كتابة الضمة و الفتحة و الكسرة و الشدة و السكون علي الحروف علي النحو الذي نقرأ به الكتابة العربية الآن.

أى هناك ثلاث أجيال في ثلاث فترات زمنية,وقد يكون بينهما أجيال صغيرة تنتمي كل منها أو قد تكون مكملة لكل مرحلة من هذه المراحل , أى هناك جيل يعرف قراءة الحروف بدون نقط , وهو الجيل الأول و جيل يعرف قراءة الحروف بالنقط , وهو الجيل الثاني , و جيل يعرف قراءة الحروف بالتشكيل . وهو الجيل الثالث و هوالجيل الذى نعيش فيه الآن و بالطبع هناك جيلا أو أكثر قبل الجيل الأول. ربما نلقي عليه الضوء في موضوع آخر.

أذن كما يتضح لنا أن النقط و علامات التشكيل أبتكرت لتوضيح حالة الحروف و ليس لتقويلها . و من هنا جاءت هذه المقولة فلنوضع النقط علي الحروف و المقصودون بهذه المقولة هم أبناء الجيل الثاني الذى أتي بعد أبتكار النقط و قبل جيل التشكيل.

معذرة لطول هذه المقالة علي وضع النقط علي الحروف , أردت فقط توضيح المعني كما يبدو لي , فلقد تعودت في حياتي عندما ينطلق خيالي , فأطلق له العنان , فيصيب خيالي الحقيقة , هذه النتائح معظمها نتائج شخصية و ليس بالضرورة أن تكون حقيقة.

ذكرت هذه الحكاية الطويلة كي أقول أن لكل جيل حصيلة فكرية و رؤية , و هناك أجيالا أخرى تأتي لتطوير هذه الحصيلة ولم تأت لتغيرها , فالكلمة في اللغة العربية الحديثة هي نفس الكلمة في اللغة العربية القديمة و المعني هو نفس المعني و التقويل كما نعلم جميعا هو ثراء الكلمة يساهم فيه الفرد و الجماعة في المجتمع الواحد, و بما أن مجتمعنا العربي و الاسلامي ممتدا شرقا و غربا , فلا شك أن كل هذه الاختلافات المكانية و الفردية و الجماعية تثرى من اللغة العربية وتثرى معناها و هذا مقدر من الله عز و جل و الا كان الاسلام قد نزل بلغة أخرى غير اللغة العربية , لاحظ أن اللغة العربية هي اللغة الوحيدة المكتملة بين اللغات الأخرى ففيها جميع الأصوات لذلك سميت اللغة العربية الفصحي , و فصحي من فصيح.

أما الجمال في الفن الاسلامي فلا بد أنه له علاقة بالتأمل و لا شك أنه قد مر بمراحل تشبه مراحل تطور اللغة العربية, و تزامل معها في التطوير, فمثلا حالة التأمل هو سمة من السمات التي يرتكز عليها الايمان خاصة في الاسلام , هذا التأمل يمارسه المتذوق و الانسان العادى و الفنان المسلم علي السواء اذا صحت التسمية بهذه الأسماء , هذا التأمل يحدث بطريقة مرحلية , أى يبدء بالرؤية ثم المشاهدة ثم التفكر , ثم تتطابق نتيجة ذلك مع جوهر الموضوع فيحدث الابداع الشخصي للمتلقي سواء بالتعبير اللفظي أو بالتعبير التشكيلي أو بالتعبير الحركي , غالبا تحدث النتيجة شعورية فيأخذها الذهن و يحولها الي كلمات أو أشكال و ألوان .

وأستكمالا للحوار عن القضية سوف أطرح عليكم مثالا آخرا غيرمثال الثعبان و العقرب , المرأة الغربية مثلا هي مرأة جميلة , و الطفل الغربي طفل جميل واذا نظرت الي مظاهر الحياه الآن فنجد أن تأثيرهذه المظاهر واضح , فنجد مثلا أن المرأة العربية تصبغ شعرها باللون الأصفر , فيتحول من اللون الأسود الجميل الي اللون الأصفر الجميل ,(ليست المرأة العربية وحدها , بل من الممكن أن ترى هذه المظاهر في أيطاليا و في اليونان و في أسبانيا ) و في بعض الأحيان نجدها تلون عيونها بالألوان الزرقاء و الخضراء (أبتكرت التكنولوجية الحديثة هذه الوسائل الحديثة لتغيير لون العينين بعدسات لاصقة ملونة ) , و كذلك المرأة الشقراء تتأثر بجمال المرأة العربية , فهي تلقي بجسدها تحت الشمس كي تكتسب جمال الجلد العربي و تجعد شعرها و تصبغه بالصبغة السوداء . تلاحظ أيضا أستخدام صور الأطفال الغربيين لدى الشرقيين كأطفال جميلة في الاعلانات مثلا أو كصورا تعلق أحيانا في المحلات التجارية و ربما أيضا في البيوت وترى ذلك أيضا هذه المظاهر في بلاد الغرب فهم يستخدمون صور الأطفال العرب و الأفارقة و الأسيويين في الأعلانات و خلافه..

أى هناك شيئان متناقضان في الحياه يكملان بعضهما البعض , هذان الشيئان لا يعترفان ببعضهما البعض كما يبدو في الحياه السياسية و لكن في الهمس الداخلي يحتاج كل منهما الي الآخر و ينال التقدير.

ذكرت هذا علي سبيل رؤية الجمال في الشكل , أى أرتباطه بالشكل فقط , أما الجانب الآخر (الجانب الداخلي ) فهو يشبه الحالة الغامضة الموجودة داخل الثعبان أو داخل العقرب , قد ترى العين في بعض الأحيان الثعبان أو العقرب ذات شكل جميل و لطيف و غير مؤذيا , .لذلك عندما أراد أبليس أغراء حواء فقد تخفي لها في شكل ثعبان جميل , لاحظ أن أبليس لم يختار آدم لأغراءه و لكنه أختار حواء , هذا مما يظهر أن المشاعر عند المرأة غير المشاعر عند الرجل , و هذا منظور آخر يجب أن يوضع في هذا الموضوع.

وجعت دماغكم ؟!!

الي لقاء آخر,
مع تحياتي,
شوقي عزت